*سياسة الكويت صانت البلد الخارجية وتحظى باحترام كبير .. ومبادراتها تمثل مصدر ترحيب دولي
*لماذا لا تتكامل السلطتان في السياسة الخارجية فيتوحد المنهج والخطاب ولا يساء إلى ماتبنيه القيادة ؟
في أكتوبر 1990 , حينذاك الكويت تئن تحت نيران الإحتلال العراقي .. دخلت سيارة رينو سوداء يعلو مقدمتها العلم الكويتي بوابة قصر الأليزيه , وفلاشات الكاميرا مصوبة باتجاهها .. سارت رويدا رويدا تحت عزف موسيقى الحرس الرئاسي , قبل أن تتوقف بالتوازي مع الباب الرئاسي , حيث يقف الرئيس الراحل فرانسوا ميتران واضعا يده فوق الأخرى منتظرا ضيفه... وقبل إنتظاره هذا بنحو شهر , أطلق ميتران مبادرة أمام الأمم المتحدة , فحواها خروج القوات الغازية من الأراضي الكويتية , وإجراء استفتاء يصوت فيه الكويتيون حول ماإذا كانوا راغبين في نظامهم الحاكم .. وهي مقترح , ووجه برفض دولي , ورد كويتي جددت من خلاله البيعة لآل الصباح في مؤتمر جدة .. بيد أن ميتران , وقتذاك ابتغى حلا يفك صديق بلاده وسوق السلاح الفرنسي الأول الطاغية صدام حسين من مأزق أوقعه فيه طيشه وديكتاتوريته .
فُتِح باب الرينو , ليترجل منها سمو الأمير المغفور له الشيخ جابر الأحمد .. هنا , امتدت يد ميتران مرحبة .. ليعبر الزعيمان إلى داخل القصر , وبعد نحو ساعة , أطل الإثنان مرة ثانية , والفرق بين الحالتين بدل الإستقبال التوديع .. لكن عشرات المراسلين الإعلاميين لم يقبلوا تفويت مادة إعلامية دسمة , فألقى أحدهم سؤالا إلى سمو الشيخ جابر قبيل ركوبه السيارة : " ماذا بحثت ياسمو الأمير , في لقائك مع ميتران ؟ " .. وبسرعة بديهة وبما قل ودل , رد سموه : " بحثت ما أتيت من أجله", وغادر فورا .. في اليوم التالي , عنونت الصحف الفرنسية : " تحررت الكويت " .. وفي عاصفة الصحراء في 17 يناير 1991 , الطائرات الفرنسية أول طلائع قوات التحالف في دك حصون الجيش العراقي .
في 16 أبريل 2010 , بدا مشهد مقارب , الإختلاف فيه الشخوص والظروف , غير أن المعطيات واحدة فهي أولا وأخيرا مصلحة الكويت , ومشرقها ومغربها مدرسة ديبلوماسية محنكة ... فرئيس مجلس الوزرا ء سموالشيخ ناصر المحمد وجًه قبلته نحو باريس حاملا قضايا عدة , وخلفه تفجيرات نيابية محتجة على بعض ماقصد به فرنسا , وكفرا بملفات بحثت كويتيا وفرنسيا , ومنتظرة إعلاميا دوليا وعلى مستوى البلدين .. كمثل إتفاقية كهرباء نووية تحتضنها أراض كويتية , ومشاركة مالية في مؤسسات تغدو كبرى فور تدشينها .
سيارة الرينو السوداء صنع 2010 وليس 1990 عادت من جديد ... دخلت بوابة قصر الأليزيه , وهذه المرة تحمل سموالشيخ ناصر , واليد التي امتدت إليه مرحبة فور وصوله , صاحبها الرئيس نيكولا ساركوزي .. وبعيد توديعه بعدما اختتم محادثاته مع الرئيس الفرنسي , تأهب الإعلاميون بأسئلتهم .. وميكروفونات تحول بينه وباب الرينو , فألقوا سؤالا هو ذاته قبل عقد من الزمان : " ما ذا بحثت ياسمو الرئيس ؟ " .. لسان الشيخ ناصر رد بالشافي : "بحثت مع الرئيس ساركوزي كل شئ " ... والقصة هنا ليست إجابة سموه , بل زلال "ديبلوماسية كويتية ", عنوانها المختصر المفيد , ونيل ماتريد بلا ضجيج .
نعم ,,, بين ذاك الحدث وماسبقته من أحداث في العمر طويلة , وما تلته من تاريخ عشرة أعوام ... تبدو الكويت عصية على أعدائها , شامخة أمام خصومها .. فعظمة تاريخ ديبلوماسي سطر سطوره سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد , يضع الكويتيين على خارطة إحترام دولي لبقعة صغيرة من الأرض , تمثل مصدر إلهام سياسة لمن هو أكبر منها مساحة , وأبعد زمنا .. ولا ريب أن تحظى هذه الدولة بمحبة خارجية , وطمع بعلاقات معها .. لأن أصلها الوفاء , ونهجها الصدق , ودربها السلم ... أينما حل قائد فيها يلقى أهلا , ومهما كانت وجهته يستقبل سهلا.
الحقيقة الساطعة إذن , سياسة خارجية كويتية زرعت في الماضي فخرا , ويثمر حاضرها عزا , وتظل يانعة مستقبلا _ بمشيئة الله _ هيبة وكرامة ... وواقع الحال هي سر الرونق الكويتي في المؤتمرات العربية , واللقاءات الدولية .. فمبادراتها علاج الخلل , ووساطاتها بلسم الجراح .. ومحيا صاحب السمو مبتغى القريب والبعيد طلبا لرأيه , وكسبا لمؤازرته ... فلا غرو أن ينشغل مطار الكويت باستقبال رئيس دولة , ووداع آخر .. شبيه بمنظر يزين فيه مطارات دولية بساط أحمر يفرش لقادة كويتيين .
غير أن هذا التبجيل العالمي , يصطدم بطعنات نيابية في الخاصرة , من نفادها إلى العظم استنفر صاحب السمو هاديا ومنبها ومحذرا , فما تبنيه القيادة بعمل مضن , يسيئ إليه نواب بكلمات لايدركونها .. فهل آن أوان يتكامل فيه مجلس الأمة مع الحكومة " خارجيا " ... ليتوحد المنهج والفكر والخطاب .. وتلتقي السلطتان لتطفئا ظمأ خلافهما المتكرر من نبع " الأمير الشيخ صباح الأحمد " .. شرب منه كبار فارتوا حكمة , وكم يحتاجه صغار ليتشبعوا استراتيجية , وتبلغ أبصارهم ما لا يُرى .
حديث المدينة